ظاهرة الطلاق الأسباب والمعالجات

د. عبد الله جاسم كردي الجنابي

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلَّم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين ، أما بعد:

فإن ثبات الحياة الزوجية ودوامها مما يحرص عليه الإسلام اشد الحرص لما في ذلك من تثبيت للروابط التي تسير بالأسرة ، نحو الأمان والاستقرار ، لذا كان هذا الدين حريصا على بقاء هذه الرابطة ودوامها  وشرع لها من الوسائل والضمانات ما يكفل ذلك ، رافعا من قدرها ، ومعليا من شانها ، وموثقا لها بالمواثيق الغليظة .

الرباط  الأسري  ميثاق غليظ ، قال تعالى: وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا  (النساء: ٢١).

فالزواج عقد شريف ، قائم على الفضل والعدل ، فان لم تأت بالفضل ، فلا تبخل بالعدل.

*الزوجية بنيان قائم على حسن الاختيار والتكوين من خلال :

أ-جودة اختيار الأزواج والزوجات : قال  :(تُنْكَحُ النِّسَاءُ لأَرْبَعٍ : لِمَالِهَا ، وَجَمَالِهَا ، وَحَسَبِهَا ، وَدِينِهَا ، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ) .فلم تغفل الشريعة مراعاة الاعراف السائدة ، وحثت على التدين والادب والخلق الحسن ، وهو مطلوب في الازواج كما في الزوجات، وذلك لأن النساء شقائق الرجال ، أي: في الأحكام والتشريع.

ب-الرضا بالحياة الجديدة من غير اكراه واجبار : جَاءَتْ فَتَاةٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ   فقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّ أَبِي زَوَّجَنِي ابْنَ أَخِيهِ يَرْفَعُ بِي خَسِيسَتَهُ فَجَعَلَ الأَمْرَ إِلَيْهَا، وهذا الإكراه يقع على الفتيات غالبا ، والفتيان احيانا، وكيف لرجل أن ترضى كرامته العيش مع امرأة غلبت على أمرها ، وفرضت عليها حياة لا ترضاها معه.

ج-الزواج المبكر بعد توفر أسبابه لكيلا يكون الأزواج كَلَّاً على الآباء والأمهات ، ومفتاحا للمشاكل بين الأزواج بسبب الحالة المعاشية واحتياجهم إلى الغير : (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فلينكح). والباءة هي نفقات الزواج وتكاليفه ، فلابد من مراعاة الواقع ، الذي تقام به أسرة ، ولا تعويل على الأحلام والآمال فإنها لا تكفي للحفاظ على الاسرة.

*الزوجية علاقة نبيلة قائمة على المودة والرحمة، قال تعالى : وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (الروم: ٢١). ولذلك ينبغي أن يراعى فيها :

أ- أن قيام أسرة جديدة لا يعني تفكيك أسرة قائمة : قال  : ” وَلَا تَسْأَلِ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا، لِتَكْتَفِئَ مَا فِي صَحْفَتِهَا أَوْ إِنَائِهَا، وَلْتَنْكِحْ، فَإِنَّمَا رِزْقُهَا عَلَى اللَّهِ». فيه النهى للمرأة والتغليظ عليها ألا تسأل طلاق أختها، ولترض بما قسم الله لها، وليس سؤالها ذلك بزائد في رزقها شيئًا لم يقدر لها.

ب-الابتعاد عن العلاقات المحرمة والمشبوهة ، فإنها مفتاح لكل شر ، مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ۗ المائدة: ٥ ، مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ النساء: ٢٥، وما زالت المسلسلات الأجنبية تفتك بأسرنا ، وتنمي ثقافة الإباحية والتهتك ، وتشيع ثقافة الجنس المحرَّم ، والعلاقات المحرَّمة.

ج-التحذير من الطلاق والمخالعة والمفاداة من غير ضرر: قال رسول الله  : «مَا مِنَ امْرَأَةٍ تَسْأَلُ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ أَمْرٍ يَعْتَدِي بِهِ فَتُرِيحُ رِيحَ الْجَنَّةِ» رواه سعيد بن منصور ، وأصله في السنن بغير هذا اللفظ ، ولكني اخترته لقوله ” يعتدي به ” . قال العلماء : الأخبار الواردة في ترهيب المرأة من طلب طلاق زوجها محمولة على ما إذا لم يكن سبب يقتضي ذلك.

*الشعور بالمسئولية من الزوجين أو أحدهما : قَالَ رَسُولُ اللهِ : ” كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته ، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده ، وهي مسئولة عن رعيتها ” .فمتى استشعر الرجال والنساء ذلك ، وفهموا حقيقة الشراكة الزوجية ، وقام كلٌ بما ينبغي  عليه سارت سفينة الأسرة في بحر الحياة إلى بر الأمان .

*سبل حل الخصومات الزوجية قبل الترافع للقضاء، وتحت ذلك خطوات وتسديدات :

الخطوة الاولى : الإصلاح هو الخير ، قال تعالى :وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا ۚ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ۗ النساء: ١٢٨ ، والصلح لا يكون إلا بالعفو والمرونة والتسامح والتنازل عن بعض الأشياء ، استبقاء لديمومة الأسرة ، وقد قال تعالى : وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ البقرة: ٢٣٧.

الخطوة الثانية : حكمة الرجل إن كان حكيما ، والاستعانة بأهل الحكمة والعقل قبل باب القضاء ، قال تعالى  وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34)وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا النساء: ٣٤ – ٣٥.

فالترغيب والترهيب والكلام الحسن ، ولا يخفاك أنَّ العظة كلام يلين القلوب القاسية ويرغب الطبائع النافرة  ، فإن لم ير أثراً لذلك ترك معاشرة الزوجة وهجرها وأعرض عنها ، وهذا إجراء فيه معنى العقوبة السلبية قد يردها الى صوابها وهو هجرها في مضجعها فيعرض عنها، ، فإن لم يؤت كل ذلك ثمرته جاز له ضربها ضرب اصلاح لا انتقام ولا اتلاف ، وهو ليس بالأمر المستنكر في العقل أو الفطرة .

وقد دلت السنة النبوية الكريمة أنّ الصبر على أذاهن خير من الضرب وفي هذا المعنى يقول النبي الكريم  عن الذين يضربون نسائهم : ” ليس اولئك بخياركم “.

الخطوة الثالثة : فان عجزت هذه الوسائل ، قامت الأسرة الكبيرة (عائلة الزوج ، وعائلة الزوجة ) بمسئوليتها التضامنية ، بواجب الإصلاح والتحكيم بين الزوجين ، وكل ذلك مقرون بنية صالحة ، همهم وغايتهم التأليف والجمع ، لا التشتيت والتفريق .

وما زالت قضية التحكيم إلى الآن بعيدة عن القضاء وعمله مع أهميتها ، ودورها في التقريب والتسديد بين الأزواج المتخاصمين .

أما أسباب النزاعات الأسرية فمنها :

  • عدم فهم كل من الزوجين لنفسية وطباع الآخر، حيث كثيراً من نجد كلاً من الزوجين يتمسك برأيه دون مراعاة لرأي الآخر والله تعالى يقول : (وشاورهم في الأمر ) ، وكان النبي يستشير نساءه.

لذا فعلى الرجل أن يناقش أفراد أسرته في أمور الأسرة، ويكون معتدلاً في قراراته بحيث لا يظلم، لأن المرأة عادة تتغلب عليها العاطفة أكثر من العقل في اتخاذ القرارات.

  • التقاليد الموروثة بما تمثله من تدخل الأهل في اختيار الزوج أو الزوجة، وطغيان شخصية الأم على الزوج، وفارق السن الكبير بين الزوجين، وزواج البدل، وتعلق المرأة الزائد بأهلها، ثم إن نظرة الزوج إلى الزوجة نظرة غير صحيحة، فهي نظرة لا ترى فيه إلا مربية لأطفاله وراعية لبيته دون مراعاة لمشاعرها كإنسانة وزوجة.

3-الجهل وعدم الفهم السليم لأحكام الشريعة الخاصة ببناء الأسرة، وما فرضه الله على كل من الزوجين من حقوق نحو الآخر، وما أمر به عند حدوث نشوز أو إعراض أو خلافات بين الزوجين، وما وضعه من قيود على الطلاق بحيث جعله في أضيق الحدود أو عند الضرورة.

4- تظهر الأزمات في بعض الأسر بسبب عمل المرأة، وكيفية صرف ميزانية الأسرة، وهل الإنفاق مسؤولية الرجل أم أنه يجب على المرأة مشاركته؟ وقد يكون لهذا العامل في بعض الأحيان تأثير على العلاقات الأسرية

5-من أسباب الأزمات الأسرية الزواج الذي ينشأ عن الطمع والكسب المادي أو المعنوي، فعندما لا يستطيع أحد الطرفين تحقيق هذه المكاسب تقع المشكلات بينهما.

  • وقد ترجع الأزمات الأسرية إلى إفرازات الحضارة الحديثة على أسرنا الإسلامية، مثل إطلاق العنان للمرأة وتركها تتحرك بحرية لا حدود لها، لتذهب إلى حيث تريد ومتى تريد، وبالتالي قد لا تعرف الشيء الكثير عن الأسرة.
  • الاختلاط بدون احتشام بين الرجال والنساء، لأن المرأة عاطفية بطبيعتها فانها تجد من خلال الاختلاط غير المحدود من هو أفضل من زوجها مالاً وجاهاً، فيما قد يرى الرجل من هي أفضل من زوجته بالمواصفات المتعلقة بالمرأة، لذا نجد انخفاض نسبة الطلاق في المجتمعات المحتشمة والمحافظة، بينما تزداد النسبة في المجتمعات التي يُقال عنها (منفتحة).

أما الحلول والمقترحات العملية التي يقترحها الباحث للحد من ظاهرة الطلاق فمنها :

  • أن تهتم وسائل الإعلام بتخصيص برامج يومية أو أسبوعية للتوعية بوظائف الأسرة، وكيفية تنظيم الحياة العائلية من النواحي الاقتصادية، وتدبير شؤون الحياة المنزلية . .. . مثل تخطيط ميزانية الأسرة، والموازنة بين بين مصادر الدخل وبين متطلبات الإنفاق والاستهلاك، بما يحفظ التوازن الاقتصادي للأسرة . . . وكذلك التوعية بشؤون الادخار والاستثمار، وتبادل المصالح، وغير ذلك من المبادئ الاقتصادية. وقد قال رسول الله : ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا).
  • إنشاء مكاتب مختصة بشؤون الأسرة ( مراكز بحثية حقيقية ) يشرف عليها علماء الدين والاجتماع والتربية والنفس والاقتصاد والقانون ، وتكون مهمتها التدخل لحل المشكلات الزوجية والحيلولة دون وصول الأمر إلى القاضي للطلاق. وقد قال رسول الله : (من استطاع منكم ان ينفع أخاه فليفعل).
  • ضرورة إدخال بعض البرامج النظرية والعملية في مناهج السنوات النهائية في المرحلتين الثانوية والجامعية، تكون مختصة بالأسرة على نحو ينمي المفاهيم الصحيحة والسليمة ويعد الأبناء لحياة زوجية سعيدة. فتوعية الذكور والإناث بأدوارهم الأسرية المستقبلية، يمكن أن يبدأ ذلك منذ مراحل التعليم الأولى ، وفي الحديث : ( طلب العلم فريضة على كل مسلم) وكيف لا يكون كذلك وبه قوام الأسرة وديمومتها.
  • عقد دورات تدريبية تأهيلية إلزامية للراغبين بالزواج ، كحال الفحص الطبي قبل الزواج ،
  • من المهم أن يحاط الآباء والأمهات علماً بالمبادئ الشرعية والقانونية التي ترتبط بالحقوق والواجبات الاجتماعية . . مثل قوانين الأحوال الشخصية، وما يتصل بعقود الزواج والطلاق والنفقة، وكذلك شؤون الميراث، وحقوق أفراد الأسرة في التركات، وأيضاً أنواع الجرائم من جنايات وجنح ومخالفات والعقوبات التي ترتبط ببعض الجرائم، كالسرقة والزنا . . . وبالأخص ما يتعلق بأمور التشرد وانحراف الأحداث وما إلى ذلك. وفي الحديث : ( كلكم راع ، وكلكم مسئول عن رعيته )، وكيف يرعى اسرته ويكون مؤتمنا عليها وهو يجهل الخير والشر.
  • توضيح الغموض حول بعض الأنكحة المختلف فيها كالزواج العرفي، والزواج المدني ، والمسيار ، وزواج السر ، وزواج الفرند ، وغيرها ، والمساعدة على إصدار التشريعات اللازمة في هذا الخصوص، بعد الاستعانة بالجهات الإفتائية الشرعية لبيان الحلّ والحرمة.
  • تأسيس صندوق للنفقة لرعاية المطلقات ، وتسهيل حصولها على حقها الشرعي في النفقة، وكذا إعادة تأهيلهن – وكذا المطلقين -ودمجهم بالمجتمع ، ليبدءوا من جديد.