يستفسر عن كتب ووسائط لدراسة السيرة النبوية
السؤال
نص الجواب
تحريم الزوج لزوجته مما اختلف الفقهاء في حكمه على أقوال كثيرة، حتى ذكر الإمام ابن قيم الجوزية في أعلام الموقعين ثلاثة عشر مذهباً، وذلك لعدم ورود نص ظاهر صريح في الكتاب والسنة يعتمد عليه في حكم هذه المسألة الخلافية، وأقرب هذه الأقوال أربعة وكما يأتي:
الأول: إذا نوى الطلاق وقع طلاقاً وإلا كان يميناً يكفر عنه، وهو مذهب جمهور الفقهاء، لأن الطلاق نوع تحريم فصح أن يكون طلاق كناية مع اشتراط النية، وقد تحققت هنا، فإن لم توجد نية الطلاق فهو يمين يكفر عنه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: (وأئمة المسلمين يقولون: إن الحرام لا يقع به طلاق إذا لم ينوه، كما روي ذلك عن أبي بكر وعمر وعثمان، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهم).
الثاني: أنه يمين يكفره ما يكفره اليمين على كل حال، أي نوى الطلاق أو لم ينوه، صح ذلك عن أبي بكر، وعمر، وعائشة، وابن عباس، وزيد بن ثابت، وابن مسعود، وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم، وعكرمة، وعطاء، ومكحول، وقتادة، والحسن، والشعبي، وسعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، وجابر بن زيد، وسعيد بن جبير، ونافع، والأوزاعي، وأبى ثور، وخلق سواهم. وحجة هذا القول: ظاهر القرآن في قوله تعالى: (قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)(2). التحريم؛ فإن الله ذكر فرض تحلة الأيمان عقب تحريم الحلال؛ فلابد أن يتناوله يقيناً؛ فلا يجوز جعل تحلة الأيمان لغير المذكور قبلها ويخرج المذكور عن حكم التحلَّة التي قصد ذكرها لأجله.
الثالث: يقع ظهاراً وفيه كفارة الظهار، وصح ذلك عن ابن عباس رضي الله عنه، وأبي قلابة، ووهب بن ابن منبه، وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد. وحجة هذا القول أن الله تعالى جعل تشبيه المرأة بأمِّه المحرَّمة عليه ظهاراً، وجعله منكراً من القول وزوراً؛ فإذا كان التشبيه بالمحرمة يجعله مظاهراً؛ فإذا صرح بتحريمها كان أولى بالظهار. قال الإمام ابن القيم في أعلام الموقعين: (وهذا أقيس الأقوال وأفقهها، ويؤيده أن الله لم يجعل للمكلف التحريم والتحليل، وإنما ذلك إليه تعالى، وإنما جعل له مباشرة الأفعال والأقوال التي يترتب عليها التحريم والتحليل، فالسبب إلى العبد، وحكمه إلى الله تعالى؛ فإذا قال “أنت علي كظهر أمي” أو قال “أنت علي حرام” فقد قال المنكر من القول والزور، وكذب فإن الله لم يجعلها كظهر أمه، ولا جعلها عليه حراماً، فأوجب عليه بهذا القول من المنكر والزور أغلظ الكفارتين، وهي كفارة الظهار).
وقال ابن قدامة في المغني: (إذا قال: أنت علي حرام، فإن نوى به الظهار فهو ظهار في قول عامتهم، وأكثر الفقهاء على أن التحريم إذا لم ينو به الظهار فليس بظهار).
الرابع: أنه لغو وباطل لا يترتب عليه شيء، لا طلاق ولا يمين، وهو إحدى الروايتين عن ابن عباس رضي الله عنه، وبه قال مسروق، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وعطاء، والشعبي، وجميع أهل الظاهر، وأكثر أصحاب الحديث، وهو أحد قولي المالكية، واختاره منهم أصبغ، لقوله تعالى: (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ) النحل: 116، فمن قال لامرأته الحلال بحكم الله تعالى هي حرام فقد كذب وافترى، ولا تكون عليه حراماً بقوله. ولقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) التحريم: 1، فأنكر الله تعالى تحريم ما أحله له والزوجة مما أحل الله، فتحريمها منكر القول والمنكر مردود حكمه التوبة والاستغفار.
والراجح:
هو اعتبار النية في هذا اللفظ؛ لأن الألفاظ لا تُراد لعينها، بل للدلالة على مقاصدها، فمن تكلم بلفظ دال على معنى وقصد به ذلك المعنى ترتب عليه حكمه، فمن نوى الطلاق بهذا القول، فإن لفظ التحريم يلحق بالألفاظ الكنائية التي يقع بها الطلاق عند وجود النية، وإذا لم ينو الطلاق بل التخويف واليمين، فإنه يُعد يمينا يكفر عنه عند الحنث، كما ذهب الجمهور أهل القول الأول.
وإذا لم ينو الطلاق وإنما قصد تحريم عين المرأة، فالصحيح أنه يُعد لغواً باطلاً لا يترتب عليه شيء كما ذهب أهل القول الرابع. والله تعالى أعلم.