الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فقد اهتمَّ الإسلام بالأسرة اهتماما عظيما، وإنشائها على أُسس ثابتة راسخة، وأمَرَ بالمحافظة عليها وعلى استقرارها، ومنع كل ما من شأْنه خلخلة كِيانها، وزلزلة أركانها، لأن الأسرة هي النواة الأولى للمجتمع الإسلامي، وهي مصنع الرجال، وأُمهات الأجيال، وأبطال الأمة.
ولقد امتنَّ اللهُ تعالى على عباده المسلمين بنعمة الزواج، فهو منَّةٌ من أعظم مِنن الله تعالى، وجعَله آية شاهدةً بوحدانيَّته، دالةً على عَظَمته وألوهيَّته؛ قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ [الروم: 21].
وأوجب الإسلام على الزوج حقوقاً تجاه زوجته، وكذا العكس، ومن الحقوق الواجبة ما هو مشترك بين الزوجين، وسنذكر- بتوفيق الله تعالى- ما يتعلق بحقوق الزوجين بعضهما على بعض في الكتاب والسنة مستأنسين بشرح وأقوال أهل العلم.
مع ملاحظة أن مرجع الحقوق بين الزوجين يرجع إلى المعروف، وهو: العادة الجارية في ذلك البلد وذلك الزمان من مثلها لمثله، ويختلف ذلك باختلاف الأزمنة والأمكنة، والأحوال، والأشخاص والعوائد، وفي هذا دليلٌ على أنَّ النفقة والكسوة، والمعاشرة، والمسكن، وكذلك الوطء، الكل يرجع إلى المعروف.
أولاً: حقوق الزوج على زوجته
وحقوق الزوج على الزوجة من أعظم الحقوق، بل إن حقه عليها أعظم من حقها عليه لقول الله تعالى: )وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ( [البقرة: 228]، قال الجصاص في أحكام القران: قد أخبر الله تعالى في هذه الآية أن لكل واحد من الزوجين على صاحبه حقا، وأن الزوج مختص بحق له عليها ليس لها عليه.
ومن هذه الحقوق:
أ- وجوب الطاعة: جعل الله الرجل قوَّاماً على المرأة بالأمر والتوجيه والرعاية، كما يقوم الولاة على الرعية، بما خصه الله به الرجل من خصائص جسمية وعقلية، وبما أوجب عليه من واجبات مالية، قال تعالى: )الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ( [النساء: من الآية 34]. قال ابن كثير في تفسيره الآية: وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس )الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ( يعني: أمراء عليهن، أي: تطيعه فيما أمرها الله به من طاعته، وطاعته أن تكون محسنة لأهله حافظة لماله، وكذا قال مقاتل والسدي والضحاك.
وعن عبد الرحمن بن عوف (t) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إِذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا وَصَامَتْ شَهْرَهَا وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ)) رواه أحمد وابن حبان، وقوله عليه الصلاة والسلام: ((لَوْ كُنْتُ آمِرًا بَشَرًا يَسْجُدُ لِبَشَرٍ، لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا)) رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد والحاكم، وروي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم فَقَالَتْ: يَا رَسولَ اللهِ إِنِّي وَافِدَةُ النِّسَاءِ إِلَيْكَ هَذَا الْجِهَادُ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى الرِّجَالِ فَإِنْ نَصِبُوا أُجِرُوا، وَإن قُتِلُوا كَانُوا أَحْيَاءً عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ وَنَحْنُ مَعَاشِرَ النِّسَاءِ نَقُومُ عَلَيْهِمْ فَمَا لَنَا مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم: ((أَبْلِغِي مَنْ لَقِيتِ مِنَ النِّسَاءِ أَنَّ طَاعَةَ الزَّوْجِ وَاعْتِرَافًا بِحَقِّهِ يَعْدِلُ ذَلِكَ وَقَلِيلٌ مِنْكُنَّ مَنْ يَفْعَلُهُ)).. وفي رواية أخرى: ((انصرفي أيتها المرأة، وأعلمي من وراءك من النساء أن حُسن تبعُّل إحداكن لزوجها، وطلبها مرضاته، واتباعها موافقته- يَعدل ذلك كله))، قال: فأدبَرت المرأة وهي تُهلل وتكبر استبشارًا. رواه البزار في مسنده والبيهقي في شعب الإيمان وابن عساكر في تاريخ دمشق.
وتكون الطاعة مقيدة في المعروف،فعن سيدنا علي بن أبي طالب (t) أن رسول الله (r) قال: ((لاَ طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ)) متفق عليه،وعن عمران بن الحصين (t) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا طاعة لمخلوق في معصية الله)) رواه الطبراني في الكبير.
ب- تمكين الزوج من الاستمتاع: مِن حق الزوج على زوجته تمكينه من الاستمتاع، فإذا تزوج امرأة وكانت أهلا للجماع وجب تسليم نفسها إليه بالعقد إذا طلب، وإذا امتنعت الزوجة من إجابة زوجها في الجماع وقعت في المحذور وارتكبت كبيرة، إلا أن تكون معذورة بعذر شرعي كالحيض وصوم الفرض والمرض وما شابه ذلك.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت، فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح)) متفق عليه، وعن ابْنِ عُمَرَ(t) عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْهُ، فَقَالَتْ: مَا حَقُّ الزَّوْجِ عَلَى امْرَأَتِهِ؟ فَقَالَ: ((لَا تَمْنَعُهُ نَفْسَهَا وَإِنْ كَانَتْ عَلَى ظَهْرِ قَتَبٍ- على ظهر جمل-، وَلَا تُعْطِي مِنْ بَيْتِهِ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِهِ، فَإِنْ فَعَلَتْ ذَلِكَ كَانَ لَهُ الْأَجْرُ وَعَلَيْهَا الْوِزْرُ، وَلَا تَصُومُ تَطَوُّعًا إِلَّا بِإِذْنِهِ، فَإِنْ فَعَلَتْ أَثَمْتَ، وَلَمْ تُؤْجَرْ، وَأَنْ لَا تَخْرُجَ مِنْ بَيْتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَإِنْ فَعَلَتْ لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ مَلَائِكَةُ الْغَضَبِ وَمَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ حَتَّى تَتُوبَ أَوْ تُرَاجَعَ)) مسند أبي داود الطيالسي، والبيهقي في سننه الكبرى.
ت- عدم الإذن لمن يكره الزوج دخوله: ومن حق الزوج على زوجته ألا تدخل بيته أحدا يكرهه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه،….)) متفق عليه، وعن سليمان بن عمرو بن الأحوص حدثني أبي أنه شهد حجة الوداع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ ثم قال: ((اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّهُنَّ عِنْدَكُمْ عَوَانٍ، لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ، إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ، فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ، وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا، إِنَّ لَكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ حَقًّا، وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا، فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ، فَلَا يُوَطِّئْنَّ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ، وَلَا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ، أَلَا وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ)) رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجه وحسّنه الشيخ الألباني في صحيح الجامع.
ث- عدم الخروج من البيت إلا بإذن الزوج: من حق الزوج على زوجته ألا تخرج من البيت إلا بإذنه، لا لوالديها ولا لغيرهم؛ لأن ذلك من حقوقه عليها، إلا إذا كان هناك مسوغ شرعي يضطرها للخروج. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: (لا يحل للزوجة أن تخرج من بيتها إلا بإذنه.. وإذا خرجت من بيت زوجها بغير إذنه كانت ناشزة عاصية لله ورسوله ومستحقة للعقوبة)، وقال الإمام ابن قدامة المقدسي في المغني: (قال– الإمام- أحمد في امرأة لها زوج وأم مريضة طاعة زوجها أوجب عليها من أمها إلا أن يأذن لها. ولأن طاعة الزوجة واجبة، فلا يجوز ترك الواجب لما ليس بواجب، ولا يجوز لها الخروج إلا بإذنه ولكن لا ينبغي للزوج منعها من عيادة والديها وزيارتهما، لأن في ذلك قطيعة لهما وحملاً لزوجته على مخالفته، وقد أمر الله تعالى بالمعاشرة بالمعروف).
ج- التأديب: للزوج تأديب زوجته عند عصيانها أمره بالمعروف لا بالمعصية؛ لأن الله تعالى أمر بتأديب النساء بالهجر والضرب ضربا غير مبرح عند عدم طاعتهن، وقد ذكر الفقهاء أربعة مواضع يجوز فيها للزوج تأديب زوجته بالضرب، منها: ترك الزينة إذا أراد الزينة، ومنها: ترك الإجابة إذا دعاها إلى الفراش وهي طاهرة، ومنها: ترك الصلاة، ومنها: الخروج من البيت بغير إذنه، قال تعالى: )وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا( [النساء: من الآية 34]، ويشترط ألا يؤذيها بضربها في وجهها أو تقبيحها، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((.. ولا تضرب الوجه، ولا تقبح..)) رواه أحمد، وقال: ((لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد، ثم يجامعها في آخر اليوم)) متفق عليه، ولا بد من ضوابط للضرب، يبتدئ أولاً بالوعظ بكتاب الله وتذكيرهن بما أمرهن الله به، ثم الهجران؛ قال ابن عباس: هو أن يولِّيَها ظهره على الفراش، ولا يكلمها، وقال الشعبي ومجاهد: هو أن يهجر مضاجعتها، ثم الضرب غير المبرِّح؛ قال ابن عباس: أدبًا مثل اللكزة، وللزوج أن يتلافَى نشوز امرأته بما أذن الله له، مما ذكره الله في هذه الآية المذكورة.
ح- خدمة الزوجة لزوجها: قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: وتجب خدمة زوجها بالمعروف من مثلها لمثله، ويتنوع ذلك بتنوع الأحوال، فخدمة البدوية ليست كخدمة القروية وخدمة القوية ليست كخدمة الضعيفة.
خ- معاشرة الزوجة لزوجها بالمعروف: وذلك لقوله تعالى: )ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف( [البقرة: 228]، قال القرطبي في تفسيره للآية: عن ابن عباس (t): لهن من حسن الصحبة والعشرة بالمعروف على أزواجهن مثل الذي عليهن من الطاعة فيما أوجبه عليهن لأزواجهن، وقيل: إن لهن على أزواجهن ترك مضارتهن كما كان ذلك عليهن لأزواجهن قاله الطبري، وقال ابن زيد: تتقون الله فيهن كما عليهن أن يتقين الله عز وجل فيكم، والمعنى متقارب والآية تعم جميع ذلك من حقوق الزوجية.
ثانيا: حقوق الزوجة الخاصة بها
للزوجة على زوجها حقوق مالية وهي: المهر، والنفقة، والسكنى، وحقوق غير مالية: كالعدل في القسم بين الزوجات، والمعاشرة بالمعروف، وعدم الإضرار بالزوجة.
1- الحقوق الماليَّة
أ- المهر: هو المال الذي تستحقه الزوجة على زوجها بالعقد عليها أو بالدخول بها، وهو حق واجب للمرأة على الرجل، قال تعالى: )وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا ([النساء: الآية 4]، وفي تشريع المهر إظهار لخطر هذا العقد ومكانته، وإعزاز للمرأة وإكراما لها.
ب- النفقة: وقد أجمع علماء الإسلام على وجوب نفقات الزوجات على أزواجهن بشرط تمكين المرأة نفسها لزوجها، فإن امتنعت منه أو نشزت لم تستحق النفقة، والحكمة في وجوب النفقة لها: أن المرأة محبوسة على الزوج بمقتضى عقد الزواج، ممنوعة من الخروج من بيت الزوجية إلا بإذن منه للاكتساب، فكان عليه أن ينفق عليها، وعليه كفايتها، وكذا هي مقابل الاستمتاع وتمكين نفسها له.
والمقصود بالنفقة: توفير ما تحتاج إليه الزوجة من طعام، ومسكن، فتجب لها هذه الأشياء وإن كانت غنية، لقوله تعالى: )وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف( [البقرة: 233]، وقال عز وجل: )لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله( [الطلاق: 7].
وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: دخلت هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بنيَّ إلا ما أخذت من ماله بغير علمه، فهل عليّ في ذلك من جناح؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ)) متفق عليه.
وعن جابر بن عبد الله (t): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبة حجة الوداع: ((فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف)) رواه مسلم.
ت- السكنى: وهو من حقوق الزوجة، وهو أن يهيىء لها زوجُها مسكناً على قدر سعته وقدرته، قال الله تعالى:) أسكنوهنَّ من حيث سكنتم مِن وُجدكم ( [الطلاق: 6].
2- الحقوق غير الماليَّة
أ- العدل بين الزوجات: من حق الزوجة على زوجها العدل بالتسوية بينها وبين غيرها من زوجاته، إن كان له زوجات، في المبيت والنفقة والكسوة. فَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ)) أخرجه أبو داود والترمذي وصححه الالباني.
ب- حسن العشرة: ويجب على الزوج تحسين خلقه مع زوجته والرفق بها، وتقديم ما يمكن تقديمه إليها مما يؤلف قلبها، لقوله تعالى: )وعاشروهن بالمعروف( [النساء: 19]، وقوله: )ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف( [البقرة: 228]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((استوصوا بالنساء)) متفق عليه، ومن حسن العشرة؛ أن يعلمها أمور دينها، ويحثها على الطاعة، ويكون ذلك بالنصح والتأديب اللطيف، ومن حسن العشرة أن لا يمنعها من زيارة أهلها وأقاربها إلا لسبب شرعي معتبر، ومنها الكلمة الطيبة والابتسامة الحنونة، فالمرأة لا تحتاج إلى المال ومتاع الدنيا، أكثر مما تحتاجه من كلمة طيبة، تشعر فيها بكرامتها وقيمتها الإنسانية؛ فالكلمة الطيبة والابتسامة الجميلة من أغلى الهدايا التي يقدمها الزوج لزوجته، خصوصًا عندما تقوم المرأة بخدمة بيتها وزوجها، فيقابلها بالكلمة الطيبة: من الدعاء لها بالخير، والدعاء أن يبارك الله فيها، فالمرأة إن وجَدت معروفها من زوجها نشِطت للإحسان إليه، والقيام بأمره وشأنه، بل كان ذلك معينًا لها على البقاء على العِشرة بالمعروف، ومن حسن العشرة ايضا؛ أن يحترم أهلها، فيوقِّرهم ويرفع من شأنهم أمامها خاصة، فلا يوبخهم ولا يذمهم، وهذا يزيد من محبة الزوجة لزوجها، ومعاملة أهله بالمثل؛ فيكون الوفاق بدلاً من الشقاق، والأُلفة مكان النفرة، والأنس مكان الوحشة.
ت- عدم الإضرار بالزوجة: وهذا من أصول الإسلام، وإذا كان إيقاع الضرر محرما على الأجانب فأن يكون محرما إيقاعه على الزوجة أولى وأحرى. عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى: ((أن لا ضرر ولا ضرار)) رواه إبن ماجه وأحمد وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير، وقوله عليه الصلاة والسلام: ((أَطْعِمُوهُنَّ مِمَّا تَأْكُلُونَ، وَاكْسُوهُنَّ مِمَّا تَكْتَسُونَ، وَلَا تَضْرِبُوهُنَّ، وَلَا تُقَبِّحُوهُنَّ)) رواه أبو داود وصححه الألباني.
ثالثا: الحقوق المشتركة بين الزوجين:
والحقوق المشتركة بين الزوجين هي:
1- حِل العشرة الزوجية واستمتاع كل من الزوجين بالآخر، وهذا الحل مشترك بينهما، فيحل للزوج من زوجته ما يحل لها منه،وهذا الاستمتاع حق للزوجين، ولا يحصل إلا بمشاركتهما معا، لأنه لا يمكن أن ينفرد به أحدهما، ولا يجوز التفريط بهذا الحق المشترك إلا بوجود مانع شرعي، وقد روى البخاري في صحيحه: ((آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سلمان وبين أبي الدرداء، فزار سلمان أبا الدرداء، فرأى أم الدرداء متبذلة، فقال: ما شأنك متبذلة؟ قالت: إن أخاك أبا الدرداء ليس له حاجة في الدنيا، قال: فلما جاء أبو الدرداء قرب إليه طعاما، فقال: كل فإني صائم، قال: ما أنا بآكل حتى تأكل، قال: فأكل، فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء ليقوم، فقال له سلمان: نم، فنام، ثم ذهب يقوم، فقال له: نم، فنام، فلما كان عند الصبح، قال له سلمان: قم الآن، فقاما فصليا، فقال: إن لنفسك عليك حقا، ولربك عليك حقا، ولضيفك عليك حقا، وإن لأهلك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه، فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك، فقال له: صدق سلمان)).
2- تحريم إفشاء ما يدور بين الزوجين من أمور الاستمتاع
إن من الحقوق المتبادلة بين الزوجين، كتم الأسرار وعدم إفشاء ما يدور بينهما لأي أحد ما لم تكن هناك مصلحة مرجوة من ذلك، وإن مما يجب ستره وحفظه، ويحرم إفشاؤه هو ما يدور بين الزوجين من أمور الاستمتاع، ولعظيم خطر البوح بذلك السر، فقد حذرت الشريعة من ذلك وبينت أن من شر الخلق يوم القيامة من يفشي السر بينه بين زوجه. فعَن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِي اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا)) رواه مسلم.
قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم: (وَفِي هَذَا الْحَدِيث تَحْرِيم إِفْشَاء الرَّجُل مَا يَجْرِي بَيْنه وَبَيْن اِمْرَأَته مِنْ أُمُور الِاسْتِمْتَاع، وَوَصْف تَفَاصِيل ذَلِكَ وَمَا يَجْرِي مِنْ الْمَرْأَة فِيهِ مِنْ قَوْل أَوْ فِعْل وَنَحْوه). فَأَمَّا مُجَرَّد ذِكْر الْجِمَاع، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ فَائِدَة وَلَا إِلَيْهِ حَاجَة فَمَكْرُوه لِأَنَّهُ خِلَاف الْمُرُوءَة. وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصحيحين: ((مَنْ كَانَ يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُت)).
3- حرمة المصاهرة: أي أن الزوجة تحرم على آباء الزوج، وأجداده، وأبنائه، وفروع أبنائه وبناته. كما يحرم هو على أمهاتها، وبناتها، وفروع أبنائها وبناتها.
4- ثبوت التوارث بينهما بمجرد إتمام العقد: فإذا مات أحدهما بعد إتمام العقد ورثه الآخر ولو لم يتم الدخول، لأنَّ الصلة الرابطة بينهما هي صلةٌ سببيةٌ أي: سببها عقد الزواج، فيتوارثان بسببه إلاَّ لوجود مانعٍ من موانع الإرث.
5- ثبوت نسب الولد من الزوج صاحب الفراش: لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم في الصحيحين: ((الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الحَجَرُ))، وتبعيةُ نسب الولد لأبيه مُجْمَعٌ عليها لقوله تعالى: ﴿ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ﴾ [الأحزاب: ٥]، ونسبُه إليها حقٌّ لها ثابتٌ قطعًا لانفصاله عنها، وإنما يلحق نسبُ الولد بأمِّه فقط عند انقطاع نسبه من جهة أبيه.
6- المعاشرة بالمعروف: فيجب على كل من الزوجين أن يعاشر الأخر بالمعروف حتى يسودهما الوئام، ويظلهما السلام.
7- الشعور بالمسؤولية تجاه البيت والأسرةِ: أي أن عليهما معا أن يسعدا أنفسهما وأولادهما متعاونيين على السراء والضراء، والشعور بمسؤولية الأولاد والمنزل معا. فقد أوجب الإسلام على الزوجين القيامَ ببناء أسرةٍ متكاملةٍ من جميع الوجوه، والقيامَ على تربية الأولاد ورعايتهم من الناحية الصحِّية والدينية والخُلُقية والسلوكية، ويحمِّلهما الإسلام مسؤوليةَ تضييع الأسرة والتقصيرِ في الرعاية والتوجيه، وقد روى ابن حبَّان وابن عوانة في مسنده أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((إِنَّ اللهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ، أَحَفِظَ أَمْ ضَيَّعَ، حَتَّى يَسْأَلَ الرَّجُلَ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ))، فالزوج راعٍ في بيته ومؤتمنٌ على من تحت ولايته من زوجةٍ وأولادٍ وإخوةٍ وأخواتٍ، وتقع على عاتقه مسؤوليةُ الإنفاق وحُسنِ العشرة وتعليمِ الأولاد وتربيتهم بنفسه أو بواسطة ماله، ويأتي في طليعة التهذيب: تعليمُهم فرائضَ الدين وتأديبُهم بالخُلُق السامي والأدب النبويِّ.
والمرأة كذلك مؤتمَنةٌ على بيت زوجها وحافظةٌ لماله، وموكَّلةٌ بحسن تدبير بيتها وطاعةِ زوجها وخدمته وتربية أولادها، فهي لهم قدوةٌ صالحةٌ تراقب سيرتَهم وترعى نفوسَهم وترشدهم إلى ما يقيم دينَهم ويهذِّب أخلاقَهم، وغيرها من الوظائف والأعمال التي تتكامل بها مع مسؤولية الزوج، وقد جاء في الحديث ما يقرِّر مسؤوليةَ كلِّ فردٍ فيما وُكِلَ إليه من حفظ النفوس والأموال ورعاية مصالح البيت في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم في صحيح البخاري: ((وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ))، قال الإمام البغوي في شرح السّنة: (ورعاية الرجل أهلَه بالقيام عليهم بالحقِّ في النفقة وحُسنِ العشرة، ورعايةُ المرأة في بيت زوجها بحسن التدبير في أمر بيته والتعهُّدِ لخَدَمِه وأضيافه).
فهذه جملة من الحقوق الزوجية، والتي أضاعها كثير من الأزواج في هذا الزمان، إلا من رحم ربي، ولهذا كثرت المشاكل الزوجية وكثر الطلاق، ألا فليتق الله تعالى كلُّ زوج في زوجته، وكل زوجة في زوجها.
اسأل الله تعالى أن يملأ بيوت المسلمين حبًّا ومودة ورحمة وسعادة، وأن يوفق كل زوجين مسلمين لما يحبه ويرضاه، وأن يُسعدهما في الدنيا والآخرة، وأن يهب لهما ذُرية طيبة؛ إن ربي قريب مجيب سميع الدعاء، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله تعالى على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.