الضوابط الشرعية للتعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي

د. طه أحمد الزيدي

 تعد مواقع التواصل الاجتماعي من الوسائل الحديثة التي أصبحت جزءا من الحاجيات الأساسية في حياة الأفراد ولمختلف الفئات العمرية.
  ونظرا لما تتميز به هذه الوسائل من خصائص تتجلى بسهولة استخدامها وتوفرها في الأجهزة الحديثة وقلة تكلفتها وسرعة تداول المعلومات فيها وتنوعها من الكتابة إلى الصورة وحتى الفيديو، ومن مميزاتها أيضا حفظها لخصوصية المستخدم لها، إلى حد ما، ولانتشارها بين مختلف الأوساط مما جعل عدم استخدامها أمرا مستهجنا من الآخرين .
ونظرا للحرية التي تعطيها هذه الوسائل لمستخدمها والفضاء المفتوح أمامه ، ولضعف دور رقابة الدولة وكذلك الأسرة مما يجعلنا نعول بشكل أساس على الوازع الديني الذاتي للمستخدم فهو خير رقيب لمن يختلي بجواله الذي يعد نافذة واسعة لعالم مفتوح فيه معلومات عن كل شيء، ومن باب المسؤولية الشرعية نبين لمستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي أهم الضوابط الشرعية المتعلقة بهذا الاستخدام ، وهي:
أولا: استشعار مراقبة الله تعالى
 في حالة الضعف التي يمر بها الإنسان وظل غياب رقابة الأسرة أو رقابة السلطة القانونية، فلا يعول على أمر كالرقابة الإلهية لتصرفات الإنسان وسلوكياته ، وقد أكدت النصوص الشرعية على ذلك ، يقول الله تعالى: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4) لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ(5)) (سورة الحديد)، ويحذر عليه الصلاة والسلام من استغلال غياب الرقابة في ارتكاب المحاذير الشرعية، عَنْ ثَوْبَانَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا»، قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ، وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ، قَالَ: «أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا». أخرجه ابن ماجه.
ثانيا: إخلاص النية
عن عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ». (متفق عليه)
 لذا على كل مسلم يتعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي  أن تكون نيته قائمة على تسخيرها خدمة لدين الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتواصلا مع من طلب الشرع التواصل معهم تحقيقا لصلة الأرحام أو النصح لكل مسلم ، وتحقيق المصالح الدنيوية التي لا تتعارض مع الشريعة، وأما إن كانت ليطلع على النساء وفتنتهن والمحرمات الدنيوية وشهوتهن، فيكون آثما أصاب ذلك أم لم يصبه إن كان المانع لعارض خارج عنه.
ثالثا: الالتزام بالتوجيهات الشرعية
 فمعيار التصفح لهذه المواقع هو الحلال والحرام وكل ما يؤدي إليهما فمثلا الحرص على تصفح المواقع التي تضم الفوائد الشرعية أو العلوم النافعة التي تخدمك في تخصصك العلمي أو عملك ، يقابله تجنب الدخول الى المواقع التي تنشر الرذيلة وتعرض الفواحش صورا وأفلاما أو التي تسيء للإسلام ولرموزه أو تدعو إلى الإلحاد والكفر والضلالات، وكذلك تجنب المواقع التي تعين على الوصول الى مواد محرمة، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ، وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ، وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ، وفي رواية : “فَمَنْ تَرَكَ مَا شُبِّهَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ، كَانَ لِمَا اسْتَبَانَ أَتْرَكَ، وَمَنِ اجْتَرَأَ عَلَى مَا يَشُكُّ فِيهِ مِنَ الإِثْمِ، أَوْشَكَ أَنْ يُوَاقِعَ مَا اسْتَبَانَ، وَالمَعَاصِي حِمَى اللَّهِ مَنْ يَرْتَعْ حَوْلَ الحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ”. (متفق عليه)
رابعا: الالتزام بمنظومة القيم الإسلامية
من خلال الحرص على الالتزام بالآداب العامة والأخلاق الرفيعة، من الصدق والأمانة، والابتعاد عن الألفاظ البذيئة والسبّ واللعن، والتشهير بالآخرين وتتبع عوراتهم وأسرارهم الخاصة وتجنب الغيبة والنميمة، وتجنب كل ما يثير المشاحنة والبغضاء بين الناس والجدال الا بالتي هي أحسن، والا لزم السكوت، قال الله  تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) (سورة الأعراف: ٣٣)، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) (سورة الحجرات:12).
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ المُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلَا اللَّعَّانِ وَلَا الفَاحِشِ وَلَا البَذِيءِ» اخرجه الترمذي، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «.. مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ». متفق عليه.
خامسا: احترام نعمة الوقت
إن الأصل في صناعة هذه الأجهزة وتصميم هذه المواقع لتختزل الوقت والجهد ، وتجعلك تصل إلى المعلومة التي تريد بأقل وقت ، وأن تتواصل مع من تريد من غير تكلفة ولا تضييع وقت، ولكننا للأسف نجد أكثر الذين يتعاملون مع هذه الوسائل يصرفون أوقاتهم ويضيعون هذه النعمة بالانكباب عليها الساعات الطوال، بل حتى في اللقاءات العامة والخاصة نجد أكثرهم ينشغل بهذه الأجهزة عن جليسه الذي قد يشاركه في الانصراف إلى جهازه، والنبي عليه الصلاة والسلام يدعوننا لاغتنام أوقاتنا وقَالَ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: “اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هِرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاءَكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ )، أخرجه الحاكم، وهو مما سيسأل عنه المسلم يوم القيامة ؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ» وفي رواية: وعَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ. أخرجه الترمذي.
سادسا: الحرص على أداء الطاعات
 فمن خلال الملاحظة والدراسة يتبين أن كثيرا من المولعين بمتابعة مواقع التواصل الاجتماعي وبرامجه على جوالاتهم ينشغلون عن أداء العبادات من الصلاة على وقتها أو صلاة الجماعة أو قراءة القرآن والأوراد والأذكار، حتى أنتجت مقاطع تجري حوارا تخيليا بين القرآن والجوال مفاده هجر الأول والانشغال بالثاني ، وأذكر إنه في إحدى الأسفار لأداء عبادة العمرة كان بعض الزملاء أول ما يستيقظ يبدأ بفتح النقال والإجابة على بعض الرسائل، وما أن تنتهي الصلاة الا تناول نقاله قبل الأذكار ، بل وجدت بعضهم لا يستيقظ لأداء الصلاة فضلا عن أدائها في المسجد بسبب سهرة مع جواله .
وكثيرا ما ينشغل هؤلاء بالتواصل على هذه المواقع عن ذكر الله تعالى والله سبحانه وتعالى يحذر من كل ما يشغل الإنسان عن أداء الطاعات في وقتها ، يقول سبحانه : (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38) (سورة النور).
عن سَلْمَان الفارسي رضي الله عنه، قَالَ: «حَافِظُوا عَلَى هَذِهِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فَإِنَّهُنَّ كَفَّارَاتٌ لِهَذِهِ الْجِرَاحَاتِ مَا لَمْ تُصِبِ الْمَقْتَلَةَ، فَإِذَا أَمْسَى النَّاسُ كَانُوا عَلَى ثَلَاثِ مَنَازِلَ فَمِنْهُمْ مَنْ لَهُ وَلَا عَلَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ عَلَيْهِ وَلَا لَهُ، وَمِنْهُمْ لَا لَهُ وَلَا عَلَيْهِ، فَرَجُلٌ اغْتَنَمَ ظُلْمَةَ اللَّيْلِ، وَغَفْلَةَ النَّاسِ، فَقَامَ يُصَلِّي حَتَّى أَصْبَحَ فَذَلِكَ لَهُ وَلَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ اغْتَنَمَ غَفْلَةَ النَّاسِ، وَظُلْمَةَ اللَّيْلِ، فَرَكِبَ رَأْسَهُ فِي الْمَعَاصِي فَذَلِكَ عَلَيْهِ وَلَا لَهُ، وَرَجُلٌ صَلَّى الْعِشَاءَ، ثُمَّ نَامَ فَذَلِكَ لَا لَهُ وَلَا عَلَيْهِ، أخرجه عبد الرزاق.
سابعا: التثبت من المعلومة قبل إعادة نشرها
مواقع التواصل الاجتماعي مليئة بالمعلومات والأخبار التي لا يعرف مصدرها، ولذا على المسلم المتصفح أن يكون حريصاً على عدم إعادة نشر المعلومة قبل أن يتثبت  من صحتها، قال الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) (سورة الحجرات: ٦)، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ، مَا يَتَبَيَّنُ مَا فِيهَا، يَهْوِي بِهَا فِي النَّارِ، أَبْعَدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ». متفق عليه.
ومنه التحقق من دقة الآيات القرآنية، ومقبولية الأحاديث النبوية سندا ومتنا، والتوثق من العبارات المنسوبة للعلماء، وكل ذلك قبل أن يسارع بإعادة نشرها.