فروض العين وفروض الكفاية
الشيخ الدكتور عبد الستار عبد الجبار
بسم الله الرحمن الرحيم
أن الأمر المجرد عن قرينة صارفة يفيد الوجوب، ومن خلال تتبع الأصوليين الأوامرَ الشرعيةَ المجردةَ عن القرائنِ وجدوا أنها على نوعين:
& أمر وارد في طلب فعل واجب على كل واحد بلا تعيين أو تخصيص، أو من واحد معين كخصائص النبيrوسماه الأصوليون فرض العين.
& أمر وارد في طلب إيقاع الفعل الواجب مع قطع النظر عن الفاعل، وسماه الأصوليون فرض الكفاية.
وللأسف الشديد غفل الكثير من أبناء الأمة عن أهمية فروض الكفاية الجماعية وركزوا على فروض العين الفردية مما أوقع الأمة في اختلالات كبيرة نعيشها اليوم كما سنرى، فكما ظهر قديمًا اهتمام زائد عند طالبي العلم بدراسة تفرعات لمسائل فقهية تمضي عصور ولا يحتاج إليها كبعض تفريعات اللعان والسبق والرمي؛ على حساب فروض عينية في الأعمال كالإخلاص وترك الرياء يحتاج كل مكلف إلى التعرف عليها، ظهر في الأزمنة المتأخرة زيادة اهتمام في فروض العين على حساب فروض الكفاية مما أثر بالسلب كثيرًا على الدور الرسالي للأمة، وزاد الاهتمام بفقه الفرد على حساب الاهتمام بفقه الأمة.
وعُرف فرض العين(ما يلزم كل واحد أقامته ولا يسقط بإقامة البعض كالصلوات الخمس) وصوم رمضان وأداء الزكاة على من ملك النصاب وحال عليه الحول وحج المستطيعِ البيتَ وعرف فرض الكفاية(ما يلزم جميع المسلمين أقامته ويسقط بإقامة البعض عن الباقين كالجهاد وصلاة الجنازة)([1]) وأهم فوض الكفاية في زماننا:
01 تنصيب الحاكم العادل الذي يحكم بشرع الله باختيار الأمة عن طريق ممثليها من أهل الحل والعقد.
02 تنصيب ولاة ووزراء وسلطة تنفيذية تُعِين الحاكمَ وتساعدُه في بسط العدل وحفظ الأمن والكرامة الإنسانية والحقوق العامة.
03 اختيار جماعة من العلماء والمختصين ليمارسوا تشريع القوانين التي تحتاجها الدولة ولا تتقاطع مع الشريعة، ويقوموا بمراقبة تطبيق الشريعة وتحقيق العدل كبديل عن المحتسبين.
04 اعداد العلماء الذين يساعدون الأمة عن طريق الإفتاء الناضج في النوازل العصرية لبناء مرجعية رشيدة، والدعاة الذين يمارسون وظيفة الدعوة إلى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بما لا يتعارض مع أحكام الشريعة وحرية الإنسان.
05 إقامة مؤسسات القوة التي أمر بها القرآن الكريم والتي تشتمل على:
– قادة عسكريين يفظون للأمة هيبة قوتها العسكرية ويردون بأس الأعداء عنها.
– اختصاصات طبية تحقق ضماناً صحيًا لأفراد الأمة وحماية لهم من فتك الأمراض.
– اختصاصات هندسية واقتصادية تحقق الأعمار للبلد وتوفر فرص العمل المناسبة لطلابها.
– كل الاختصاصات التي تحتاجها الدولة الحديثة لبناء الحكم الرشيد.
فضلاً عن بقية الواجبات الكفائية كإقامة صلاة الجنازة على من مات من أبناء الأمة وإغاثة الملهوف وإنقاذ الغريق والحريق ونحو ذلك.
ففرض الكفاية أمرٌ كليٌّ تتعلق به مصلحة دينية أو دنيوية قد لا يستقيم حال الأمة إلا بتحصيلها.
وفي كلٍ من فرض العين وفرض الكفاية مصلحة، والمصلحة في فرض العين تتجدد وتتكرر، وفي فرض الكفاية يلاحظ عدم تجدد المصلحة وعدم تكرارها، فالأفعال المطلوبة من المكلفين على سبيل الحتمعلى قسمين:
*ما تتكرر مصلحته بتكرره: وهو كل ما (شرعه صاحب الشرع على الأعيان تكثيرا للمصلحة بتكرر ذلك الفعل كصلاة الظهر؛ فإن مصلحتها الخضوع لله تعالى وتعظيمه ومناجاته والتذلل له والمثول بين يديه والتفهم لخطابه والتأدب بآدابه، وهذه المصالح تتكرر كلما كُررت الصلاة)([2])
*مالاتتكررمصلحتهبتكرره: وهو ما شرعه الله لـ((إنقاذ الغريق إذا شاله إنسان فالنازل بعد ذلك في البحرلايُحصل شيئا من المصلحة،فجعله صاحب الشرع على الكفاية نفيا للعبث في الأفعال، وكذلك كسوة العريان وإطعام الجيعان ونحوهما)([1])
([1])الفروق مع هوامشه 1/211. وانظر: قواعدالأحكام في إصلاح الأنام ص55.